فصل: تفسير الآية رقم (98):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.تفسير الآية رقم (98):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98)}
{وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة} يعني: آدم {فمستقر} أَيْ: فلكم مستقرٌّ في الأرحام {ومستودع} في الأصلاب.

.تفسير الآيات (99- 101):

{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99) وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101)}
{وهو الذي أنزل من السماء ماء} يعني: المطر {فأخرجنا به نبات كلٍّ شيء} يَنبت {فأخرجنا} من ذلك النَّبات {خضراً} أخضر، كالقمح، والشَّعير، والذُّرة، وما كان رطباً أخضر مما ينبت من الحبوب {نخرج منه} من الخضر {حباً متراكباً} بعضه على بعض في سنبلةٍ واحدةٍ {ومن النخل من طلعها} أوَّل ما يطلع منها {قنوان} يعني: العراجين التي قد تدلَّت من الطَّلع {دانية} ممَّن يجتنيها. يعني: قصار النَّخل اللاَّحقة عذوقها بالأرض {وجنات} أَيْ: وأخرجنا بالماء جنَّات {من أعناب والزيتون} وشجر الزَّيتون {والرمان} وشجر الرُّمان {مشتبهاً} في اللون: يعني: الرُّماني {وغير متشابه} في الطَّعم. أي: مختلفة في الطَّعم. وقيل: مُشتبهاً ورقها، مُختلفاً ثمرها {انظروا إلى ثمره} نظر الاستدلال والعبرة أوَّل ما يعقد {وينعه} نضجه {إنَّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} يصدِّقون أنَّ الذي أخرج هذا النَّبات قادرٌ على أن يحيي الموتى.
{وجعلوا لله شركاء الجن} أطاعوا الشَّياطين في عبادة الأوثان، فجعلوهم شركاء لله {وخَرَقوا له بنين وبنات} افتعلوا ذلك كذباً وكفراً، يعني: الذين قالوا: الملائكة بنات الله، واليهود والنَّصارى حين دعوا لله ولداً {بغير علم} لم يذكروه عن علمٍ، إنَّما ذكروه تكذُّباً. وقوله: {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} أَيْ: مِنْ أين يكون له ولدٌ؟ ولا يكون الولد إلاَّ من صاحبةٍ، ولا صاحبة له {وخلق كلَّ شيء} أَيْ: وهو خالق كلِّ شيء.

.تفسير الآية رقم (103):

{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)}
{لا تدركه الأبصار} في الدُّنيا؛ لأنَّه وعد في القيامة الرُّؤية بقوله: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة...} الآية. والمُطلق يحمل على المقيد. وقيل: لا يحيط بكنهه وحقيقته الأبصار وهي تراه، فالأبصار ترى الباري ولا تحيط به {وهو يدرك الأبصار} يراها ويحيط بها علماً، لا كالمخلوقين الذين لا يدركون حقيقة البصر، وما الشَّيء الذي صار به الإِنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما {وهو اللطيف} الرَّفيق بأوليائه {الخبير} بهم.

.تفسير الآيات (104- 105):

{قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (105)}
{قد جائكم بصائر من ربكم} يعني: بيِّنات القرآن {فمن أبصر} اهتدى {فلنفسه} عمل {ومن عمي فعليها} فعلى نفسه جنى العذاب {وما أنا عليكم بحفيظ} برقيب على أعمالكم حتى أجازيكم بها.
{وكذلك} وكما بيَّنا في هذه السُّورة {نصرِّف} نبيِّن {الآيات} في القرآن ندعوهم بها ونخوِّفهم {وليقولوا درست} عطف على المضمر في المعنى والتقدير: نصرِّف الآيات لتلزمهم الحجَّة وليقولوا درست، أَيْ: تعلَّمت مِن يسار، وجبر، واليهود. ومعنى درس: قرأ على غيره، ومعنى هذه اللام في قوله: {وليقولوا} معنى لام العاقبة، أَيْ: نصرِّف الآيات ليكون عاقبة أمرهم تكذيباً للشَّقاوة التي لحقتهم {ولنبينه لقوم يعلمون} يعني: أولياءه الذين هداهم، والذين سعدوا بتبيين الحقِّ.

.تفسير الآيات (107- 110):

{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110)}
{ولو شاء الله ما أشركوا} أَيْ: ولو شاء الله لجعلهم مؤمنين {وما جعلناك عليهم حفيظاً} لم تبعث لتحفظ المشركين من العذاب، إنَّما بُعثت مُبَلِّغاً فلا تهتمَّ لشركهم؛ فإنَّ ذلك لمشيئة الله.
{ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله} يعني: أصنامهم ومعبوديهم، وذلك أنَّ المسلمين كانوا يسبُّون أصنام الكفَّار، فنهاهم الله عزَّ وجلَّ عن ذلك لئلا يسبُّوا {الله عدواً بغير علم} أَيْ: ظُلماً بالجهل {كذلك} أَيْ: كما زيَّنا لهؤلاء عبادة الآوثان وطاعة الشَّيطان بالحرمان والخذلان {زينا لكلِّ أمة عملهم} من الخير والشَّرِّ.
{وأقسموا بالله جهد أيمانهم} اجتهدوا في المبالغة في اليمين {لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها} وذلك أنَّه لمَّا نزل: {إن نشأ ننزل عليهم...} الآية. أقسم المشركون بالله لئن جاءتهم آية ليؤمننَّ بها، وسأل المسلمون ذلك، وعلم الله سبحانه أنَّهم لا يؤمنون، فأنزل الله هذه الآية. {قل إنما الآيات عند الله} هو القادر على الإتيان بها {وما يشعركم} وما يدريكم إيمانهم، أَيْ: هم لا يؤمنون مع مجيء الآيات إيَّاهم، ثمَّ ابتدأ فقال: {إنها إذا جاءت لا يؤمنون} ومَنْ قرأ {أنَّها} بفتح الألف كانت بمعنى لعلَّها، ويجوز أن تجعل {لا} زائدة مع فتح أنَّ.
{ونقلب أفئدتهم وأبصارهم} نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم تلك الآية بتقليب قلوبهم وأبصارهم عن وجهها الذي يجب أن تكونَ عليه فلا يؤمنون {كما لم يؤمنوا به} بالقرآن، أو بمحمَّدٍ عليه السَّلام {أوَّل مرَّة} أتتهم الآيات، مثل انشقاق القمر وغيره {ونذرهم في طغيانهم يعمهون} أخذلهم وأدعهم في ضلالتهم يتمادون.

.تفسير الآيات (111- 116):

{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (116)}
{ولو أننا أنزلنا إليهم الملائكة} فرأوهم عياناً {وكلمهم الموتى} فشهدوا لك بالصِّدق والنُّبوَّة {وحشرنا عليهم} وجمعنا عليهم {كلَّ شيء} في الدُّنيا {قُبلاً} و{قِبَلاً} أَيْ: مُعاينةً ومُواجهةً {ما كانوا ليؤمنوا} لما سبق لهم من الشَّقاء {إلاَّ أنْ يشاء الله} أن يهديهم {ولكنَّ أكثرهم يجهلون} أنَّهم لو أُوتوا بكلِّ آيةٍ ما آمنوا.
{وكذلك جعلنا لكلِّ نبيٍّ عدوّاً} كما ابتليناك بهؤلاء القوم كذلك جعلنا لكلِّ نبيٍّ قبلك أعداءً؛ ليعظم ثوابه، والعدوُّ ها هنا يُراد به الجمع، ثمَّ بيَّن مَنْ هم فقال: {شياطين الإِنس} يعني: مردة الإِنس، والشَّيطان: كلُّ متمرِّدٍ عاتٍ من الجنَّ والإِنس {يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً} يعني: إنَّ شياطين الجنِّ الذين هم من جند إبليس يوحون إلى كفار الإِنس ومردتهم، فيغرونهم بالمؤمنين، وزخرف القول: باطله الذي زُيِّن ووُشِّي بالكذب، والمعنى أنَّهم يُزيِّنون لهم الأعمال القبيحة غروراً {ولو شاء ربك ما فعلوه} لَمَنع الشَّياطين من الوسوسة للإِنس.
{ولتصغى إليه} ولتميل إلى ذلك الزُّخرف والغرور {أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة} قلوب الذين لا يصدِّقون بالبعث {وليرضوه} ليحبُّوه {وليقترفوا} ليعملوا ما هم عاملون.
{أفغير الله} أَيْ: قل لأهل مكَّة: أفغير الله {أبتغي حكماً} قاضياً بيني وبينكم {وهو الذي أنزل إليكم الكتاب} القرآن {مفصلاً} مُبَيِّناً فيه أمره ونهيه {والذين آتيناهم الكتاب} من اليهود والنَّصارى {يعلمون} أنَّ القرآن {منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين} من الشَّاكين أنَّهم يعلمون ذلك.
{وتمت كلمات ربك} أقضيته وعِداته لأوليائه في أعدائه {صدقاً} فيما وعد {وعدلاً} فيما حكم. والمعنى: صادقةً عادلةً {لا مبدِّل لكلماته} لا مُغيِّر لحكمه، ولا خلف لوعده {وهو السميع} لتضرُّع أوليائه، ولقول أعدائه {العليم} بما في قلوب الفريقين.
{وإن تطع أكثر من في الأرض} يعني: المشركين {يضلوك عن سبيل الله} دين الله الذي رضيه لك، وذلك أنَّهم جادلوه، في أكل الميتة، وقالوا: أتأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل ربُّكم؟ {إن يتبعون إلاَّ الظن} في تحليل الميتة {وإن هم إلاَّ يخرصون} يكذبون في تحليل ما حرَّمه الله.

.تفسير الآية رقم (118):

{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآَيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118)}
{فكلوا مما ذكر اسم الله عليه} أَيْ: ممَّا ذكِّي على اسم الله {إن كنتم بآياته مؤمنين} تأكيدٌ لاستحلال ما أباحه الشَّرع ثمَّ أبلغَ في إباحة ما ذبح على اسم الله.

.تفسير الآيات (119- 125):

{وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ (120) وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121) أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125)}
{وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه} عند الذَّبح {وقد فصَّل} بيَّن {لكم ما حرَّم عليكم} في قوله: {حُرِّمت عليكم الميتة...} الآية. {إلاَّ ما اضطررتم إليه} دعتكم الضَّرورة إلى أكله ممَّا لا يحلُّ عند الاختيار {وإنَّ كثيراً ليضلون بأهوائهم} أَيْ: الذين يُحلُّون الميتة، ويناظرونكم في إحلالها ضلُّوا باتِّباع أهوائهم {بغير علمٍ} إنَّما يتَّبعون فيه الهوى، ولا بصيرة عندهم ولا علم {إنَّ ربك هو أعلم بالمعتدين} المتجاوزين الحلال إلى الحرام.
{وذروا ظاهر الإِثم وباطنه} سرَّه وعلانيته، ثمَّ أوعد بالجزاء فقال: {إن الذين يكسبون الإِثم سيجزون بما كانوا يقترفون}.
{ولا تأكلوا ممَّا لم يذكر اسم الله عليه} ممَّا لم يُذَكَّ ومات {وإنه} وإنَّ أكله {لفسقٌ} خروجٌ عن الحقِّ {وإنَّ الشياطين} يعني: إبليس وجنوده وسوسوا {إلى أوليائهم} من المشركين ليخاصموا محمداً وأصحابه في أكل الميتة {وإن أطعتموهم} في استحلال الميتة {إنكم لمشركون} لأنَّ مَنْ أحلَّ شيئاً ممَّا حرَّمه الله فهو مشركٌ.
{أَوْ مَنْ كان ميتاً فأحييناه} ضالاًّ كافراً فهديناه {وجعلنا له نوراً} ديناً وإيماناً {يمشي به في الناس} مع المسلمين مُستضيئاً بما قذف الله في قلبه من نور الحكمة والإِيمان {كمَنْ مثله} كمَن هو {في الظلمات} في ظلمات الكفر والضَّلالة {ليس بخارجٍ منها} ليس بمؤمن أبداً. نزلت في أبي جهلٍ وحمزة بن عبد المطلب {كذلك} كما زُيِّن للمؤمنين الإِيمان {زين للكافرين ما كانوا يعملون} من عبادة الأصنام.
{وكذلك جعلنا في كلِّ قرية أكابر مجرميها} يعني: كما أنَّ فسَّاق مكَّة أكابرها، كذلك جعلنا فسَّاق كلِّ قرية أكابرها. يعني: رؤساءَها ومترفيها {ليمكروا فيها} بصدِّ النَّاس عن الإِيمان {وما يمكرون إلاَّ بأنفسهم} لأنَّ وبال مكرهم يعود عليهم {وما يشعرون} أنَّهم يمكرون بها.
{وإذا جاءتهم آية} ممَّا أطلع الله عليه نبيَّه عليه السَّلام ممَّا يخبرهم به {قالوا لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله} حتى يوحى إلينا ويأتينا جبريل فنصدِّق به، وذلك أنَّ كلَّ واحدٍ من القوم سأل أن يُخصَّ بالوحي، كما قال الله: {بل يريد كلُّ امرئ منهم أَنْ يُؤتى صحفاً مُنشَّرة} فقال الله سبحانه: {الله أعلم حيث يجعل رسالته} يعني: أنَّهم ليسوا بأهل لها، هو أعلم بمَنْ يختصُّ بالرِّسالة {سيصيب الذين أجرموا صغار} مذلَّةٌ وهوانٌ {عند الله} أَيْ: ثابت لهم عند الله ذلك.
{فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإِسلام} يوسِّعْ قلبه ويفتحه ليقبل الإِسلام {ومن يرد أن يضلَّه يجعل صدره ضيقاً حرجاً} شديد الضِّيق {كأنما يصَّعد في السماء} إذا كُلَّف الإِيمان لشدَّته وثقله عليه {كذلك} مثل ما قصصنا عليك {يجعل الله الرجس} العذاب {على الذين لا يؤمنون}.

.تفسير الآيات (126- 130):

{وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (127) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (128) وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (130)}
{وهذا صراط ربك} هذا الذي أنت عليه يا محمد دين ربِّك {مُستقيماً قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون} وهم المؤمنون.
{لهم دار السلام} الجنة {عند ربهم} مضمونةً لهم حتَّى يُدخلهموها {وهو وليهم} يتولَّى إيصال الكرامات إليهم {بما كانوا يعملون} من الطَّاعات.
{ويوم يحشرهم جميعاً} الجنّ والإِنس، فيقال لهم: {يا معشر الجن قد استكثرتم من الإِنس} أَيْ: من إغوائهم وإضلالهم {وقال أولياؤهم} الذين أضلَّهم الجنُّ {من الإِنس ربنا استمتع بعضنا ببعض} يعني: طاعة الإِنس للجنِّ وقبولهم منهم ما كانوا يغرونهم به من الضَّلالة، وتزيين الجنِّ للإِنس ما كانوا يهوونه حتى يسهل عليهم فعله {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} يعني: الموت، والظَّاهر أنَّه البعث والحشر {قال النار مثواكم} فيها مقامكم {خالدين فيها إلاَّ ما شاء الله} مَنْ شاء الله، وهم مَنْ سبق في علم الله أنَّهم يُسلمون {إنَّ ربك حكيم} حكم للذين استثنى بالتَّوبة والتَّصديق {عليم} علم ما في قلوبهم من البرِّ.
{وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً} كما خذلنا عُصاة الجنِّ والإنس نَكِلُ بعض الظَّالمين إلى بعض حتى يضلَّ بعضهم بعضاً.
{يا معشر الجن والإِنس ألم يأتكم رسل منكم} الرُّسل كانت من الإنس والذين بلَّغوا الجنَّ منهم عن الرُّسل كانوا من الجنِّ، وهم النُّذر كالذين استمعوا القرآن من محمد صلى الله عليه وسلم من الجنِّ، فأبلغوه قومهم.